للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يؤثر الحياة الباقية على الحياة الدنيا، ولم يترك حب العمل الصالح لحب الزينة والملاذ في نفسه موضعاً، يكفي شاهداً على زهده في حطام الدنيا: أنه لم يخلف يوم مات سوى سبعة عشر ديناراً، كفّن منها بخمسة دنانير، واشتري له موضع ليقبر فيه بدينارين، وقسم الباقي على ورثته.

وقال له مَسلمة بن عبد الملك عند مرض الموت: قد تركت ولدك عيلة لا شيء لهم، فقال: والله! ما منعتهم حقاً هو لهم، ولم أعطهم ما ليس لهم، ثم قال: بَنيَّ أحد رجلين: إما رجل يتقي الله؛ فسيجعل الله له مخرجًا، وإما رجل مكبّ على المعاصي، فإني لم كن أقويه على معصية الله.

ولم يكن - رضي الله عنه - ممن يضع الطعام على مائدته ألواناً، دخل غلام له على مولاته فاطمة بنت عبد الملك، فغدَّته عدساً، فقال الغلام: كل يوم عدس! قالت: يابني! هذا طعام مولاك أمير المؤمنين:

وما هي إلا جوعة قد سددتها ... فكل طعام بين جنبيَّ واحد

وقومت ثيابه وهو خليفة باثني عشر درهماً، وكانت حلته قبل ذلك بألف درهم.

* إيثاره الاجتماع بأهل الفضل على العزلة:

قال ميمون بن مهران: وكنت في سمر عمر بن عبد العزيز ذات ليلة، فقلت له: يا أمير المؤمنين! ما بقاؤك على ما أرى؟! أنت بالنهار مشغول في حوائج الناس، وبالليل أنت معنا ها هنا، ثم الله أعلم بما تخلو به. فقال: إليك عني يا ميمون؛ فإني وجدت لقاء الرجال تلقيحًا لألبابهم.

* بعد نظره في السياسة:

يجمع عمر - رضي الله عنه - إلى الخلق العظيم استقامةً، وإلى الاستقامة حكمة،