العلم، فغضبت، وانقطعت إلى أبي هرمز سبع سنين لم أخلطه بغيره.
وكان مالك شديد الحرص في طلب العلم، تتعرف هذا من انقطاعه لابن هرمز ثمان سنين، وقال: كنت أجعل في كمي قمطراً أناوله صبيانه، وأقول لهم: إن سألكم أحد عن الشيخ (يعني: ابن هرمز)، فقولوا: مشغول، وقال: كنت آتي ابن هرمز بكرة، فما أخرج من بيته حتى الليل.
* قوة حافظته:
مما ساعد الإمام مالكاً على بلوغه الذروة في العلم: قوة حافظته؛ فقد روي عنه: أنه قال: ما استودعت قلبي شيئاً فنسيته، وقال: كنت آتى ابن المسيب، وعر وة، والقاسم، وأبا سلمة، وحميداً، وسالماً (وعدّ جماعة)، فأدور عليهم أسمع من كل واحد من الخمسين حديثاً إلى المئة، ثم أنصرف وقد حفظته كله من غير أن أخلط حديث هذا بحديث هذا.
* ذكاؤه وقوة نظره:
جمع مالك إلى قوة الحفظ سعةَ نظر، وغوصاً على حكمة التشريع، ويدلكم على حسن تفقهه فيما يحفظ: أنه كان يحمل النصوص على وجوه تطابق المعروف من قصد الشارع في التعبد أو الإصلاخ، ويأخذ في كثير من الفتاوى بقاعدة رعاية المصالح، وقاعدة سد ذرائع الفساد، وقد كان في عصره من يحفظ حفظه للأحاديث والآثار، وإنما ارتفع ذكر مالك في الأقطار، ورحل إليه طلاب العلم من كل ناحية؛ لجودة نظره في الكتاب والسنة، وكثرة ما يفصله من الأحكام المندرجة تحت الأصول، أو الملوح إليها بالعلل المنصوصة أو المعقولة، وذلك ما لا يحسنه إلا قوي النظر، نافذ البصيرة إلى اللباب، قال ابن وهب: لولا أن الله أنقذني بمالك والليث، لضللت، فقيل