من الحديث مالك بن أنس؛ لأنه عاش حتى لم يبق له نظير بالمدينة، ويؤيده: أن طلاب العلم لم يضربوا أكباد الإبل من مشارق الأرض ومغاريها، ويرحلوا إلى عالم بالمدينة رحلتهم إلى مالك بن أنس.
* تعظيمه لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
كان مالك إذا أراد أن يحدث، توضأ، وجلس على صدر فراشه، وسرَّح لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، ثم حدَّث، فقيل له في ذلك، فقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحدث به إلا متمكناً على طهارة.
وكان يكره أن يحدث على الطريق، أو قائماً، أو مستعجلاً، ويقول: أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقال ابن المبارك: كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلدغته عقرب مرات، ومالك يتغير لونه ويصفر، ولا يقطع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغ من المجلس، وتفرق الناس، قلت: يا أبا عبد الله! لقد رأيت اليوم منك عجبًا، فقال: نعم، إنما صبرت إجلالًا لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ومر مالك على ابن أبي حازم وهو يحدِّث، فتعداه، فقيل له، فقال: لم أجد موضعًا أجلس فيه، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قائم.
* كراهته للابتداع في الدين:
كان مالك يتحرى السنن، ويحث على اتباعها، ويتجنب الباع، ويحذر من ارتكابها، وكان كثيراً ما ينشد:
وخير أمور الدين ما كان سنَةً ... وشر الأمور المحدَثات البدائعُ
وسئل مرة عن الداء العضال، فقال: الحدث في الدين. ولقد صدق مالك في تسمية البدعة الداء العضال، فقلما تتفشى البدعة