للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يكن أبو داود محدثاً فحسب، بل كان محدثاً فقيهاً، وقد عده الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "طبقات الفقهاء" من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل. وقال ابن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونسكاً، وورعاً، وإتقاناً.

وكان أبو داود يشبه الإمام أحمد بن حنبل في هديه وسمته، وروى عنه أحمد بن حنبل فَرْدَ حديث، فكان أبو داود يفخر بذلك، وكان أبو داود يقول: خير الكلام ما دخل الأذن من غير إذن.

ومما يشهد بحلالة قدره في علم الحديث: كتاب "السنن" الذي هو أحد الصحاح الستة، وهو يشتمل على أربعة آلاف وثمان مئة حديث، انتخبها من خمس مئة ألف حديث كتبها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يورد في هذا الكتاب إلا الصحيح، أو ما يقارب الصحيح، وقال في رسالة بعث بها إلى أهل مكة: "وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء".

قصد الإمام البخاري في "جامعه" تخريج الأحاديث الصحيحة المتصلة، وإفادة ما يؤخذ من الأحاديث من الأحكام أو الآداب، أو التفسير أو السيرة، وقصد الإمام مسلم في "جامعه" تدوين الأحاديث الصحيحة من غير تعرض لوجوه الاستنباط. وقصد أبو داود جمع الأحاديث التي استند إليها الفقهاء، وجعلوها مآخذ للأحكام، فجمع في "سننه" الصحيح، والحسن، وإذا أورد هذا حديثاً ضعيفاً، صرح بضعفه.

فكتاب "السنن" لأبي داود جمع أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن تنظيم، ولما أتم تأليفه، عرضه على الإمام أحمد بن حنبل، فاستجاده، واستحسنه، ولما اطلع عليه إبراهيم الحربي، قال: "ألِين لأبي