فقال أبو سعيد: قد اتفقنا على منع بيعها حاملاً، فمن زعم أن بيعها بعد الوضع جائز فعليه الدليل. فسكت داود، ولم يحر جواباً، وهذا النوع من الاستصحاب قبله بعض أهل العلم وردَّ آخرون.
ذلك الاستصحاب، وتلك أقسامه، وقد استنبط الفقهاء استصحاباً آخر هو على عكس الأول، ويسمى: الاستصحاب المقلوب. وحقيقته: ثبوت أمر في الزمن السابق بناءً على ثبوته في الزمن الحاضر، وللمالكية فتاوى مبنية على رعايته؛ كمسألة الوقف الذي لا يدرى بعد البحث أصلُ مصرفه، وشرط واقفه، ولكنَّا نجده في الزمن الحاضر يصرف على حالة، إذ قالوا: إن هذه الحالة تستصحب فيما قبله، ويحمل على أن مصرفه في الأصل هكذا، وتكون الحالة التي يصرف عليها صحيحة حتى تقوم البينة على عدم مطابقتها لما صدر من الواقف. وكمسألة الزوج يغيب عن زوجته دون أن يترك لها نفقة، فتطالبه بما أنفقت في غيبته، فيدعي أنه كان في مدة الغيبة معسراً، وتدعي هي أنه كان موسراً، إذ قالوا: إنه ينظر إلى حال قدومه من عسر أو يسر، وتستصحب في زمان الغيبة، فإن قدم موسراً، عدّ في الغيبة ذا يسار، وقضي عليه بما تطلب الزوجة من النفقة. فها هنا ثبت أمر، وهو يسار الزوج في الزمن السابق، أعني: زمن الغيبة، بناء على ثبوته في الزمن الحاضر؛ أي: زمن قدومه، بالاستصحاب.
وإنما يعتمد المجتهد على الاستصحاب بجميع أقسامه بعد أن ينظر في الحادثة، ولا يجد لها حكماً في نص أو قياس.
قال الخوارزمي في كتاب "الكافي": "الاستصحاب آخر مدار الفتوى؛ فإن المفتي إذا سئل عن حادثة، يطلب حكمها في الكتاب، ثم في السنَّة، ثم