قرر أبو إسحاق الشاطبي: أن رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - طريق من طرق الوحي الصادق، ثم قال:"وأما أمته، فكل واحد منها غير معصوم، بل يجوز عليه الخطأ والغلط والنسيان، ويجوز أن تكون رؤياه حلماً؛ وكشفه غير حقيقي، وإن تبين في الوجود صدقه، واعتيد ذلك فيه، واطرد، فإمكان الخطأ والوهم بأن. وما كان هذا شأنه، لم يصح أن يقطع به حكم".
وإنما كانت رؤيا الأنبياء وحياً؛ لأنهم معصومون من أن يتمثل لهم الباطل في صورة الحق، ولم يجعل الله للشيطان أو الخيال عليهم من سبيل.
هذه نظرة في أصل الرؤيا، فإن ذكر الرجل أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم، وأمره بأمر يخالف ما جاء في شريعته، أو أخبره بشيء يخالف ما يعلمه في اليقظة، فليس له التمسك بهذه الرؤيا، بل يأخذ بما جاء في الشريعة الغراء، ويبني على ما يعلمه في اليقظة.
فإن قيل: إن رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام حق؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من رآني في المنام، فقد رآني؛ فإن الشيطان لا يتخيل بي"، فيكون ما يأمر به أمراً حقاً، وما يخبر به خبراً صدقاً.
قلنا: إن رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم قد تكون لمثاله الصادق؛ كرؤيا الصحابي الذي رآه في اليقظة، فانطبع مثاله في نفسه، أو رؤيا من درس صفاته المنقولة في الكتب، فارتسمت منها في نفسه صورة مطابقة، أما رؤياه على غير هذا الوجه، فمحتمل لأن يكون من قبيل تخيل الشيطان، ثم إن رؤيا مثاله الصادق - وإن كانت حقاً - لا يصح الاستناد إليها في حكم شرعي؛ لاحتمال الخطأ والغلط في ضبط المثال في النوم.
قال الزركشي في "البحر المحيط": "والصحيح أن المنام لا يثبت حكماً