وقالت طائفة: إن السنّة لا تستقل بتشريع الأحكام، وإنما يقبل منها ما كان موافقاً للقرآن، ويسوق هؤلاء حديثاً هو:"ما أتاكم عني، فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله، فأنا قلته، وإن خالف، فلم أقله".
وهذا الحديث موضوع، قال عبد الرحمن بن المهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا حديث: "ما أتاكم عني، فاعرضوه على كتاب الله ... " وكذلك قال يحيى بن معين: إن هذا الحديث موضوع، وضعه الزنادقة.
وقد عارض هذا الحديث قوم، فقالوا: عرضنا هذا الحديث الموضوع على كتاب الله، فخالفه؛ لأنّا وجدنا في كتاب الله:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧].
وإذا وجد حديث غير ثابت، يتشبث به من يتهالكون على هدم أركان التشريع الإسلامي، فان الأدلة من القرآن والسنّة قد تدفقت تدفق السيل الجرّار على أن ما صح من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجب الوقوف عنده، والعمل به على النحو الذي يهدي إليه العلم بمقاصد الشريعة، والإِلمام بوجوه دلالات الألفاظ العربية وأساليب بلاغتها.
وقد وجدنا فيما روي من الأحاديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى هذه الطائفة التي تزعم أن التشريع مقصور على القرآن الكريم.
وروى الحافظ ابن عبد البر في هذا المعنى أحاديث وصلت أسانيدها بثلاثة من الصحابة: المقدام بن معد يكرب، وجابر بن عبد الله، وأبي رافع.