على قواعده، فأفتى بما يراه المطابق لقواعد مذهب الإمام، ومقتضى هذا: أنه يرى الإمام غير مصيب في استنباط هذا الحكم الخاص، وليس في هذا غضاضة على الإمام مالك؛ فإنه لا يدعي لنفسه العصمة، ولا أن أهل العلم من أصحابه يعتقدون فيه أنه لا يخطئ في حال، وقد نقل عنه أنه قال:"إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيى، فما وافق الكتاب والسنّة، فخذوا به، وما لم يوافق، فاتركوه"، وإذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد غفل عن قوله تعالى:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا}[النساء: ٢٠] , فأراد تحديد المهور حتى ذكرته بها امرأة، فرجع عن رأيه، فمن المحتمل أن يقع الإِمام مالك أو غيره من الأئمة في خطأ الاجتهاد، ولأصحابه من بعده أن ينقدوا فتواه، حتى إذا وجدوها غير مطابقة لقواعده، ردوها إلى أصلها، وصح من هذا الوجه نسبة الحكم الذي يقرره بعض أصحابه إلى مذهبه.
وقد رجع الإمام نفسه في مسائل، فأفتى فيها بغير ما أفتى به أولاً، وهذه المسائل معروفة في كتب الفقه، وربما اعتمد أصحابه القول الذي رجع عنه، حيث يظهر لهم أنه أوضح دليلاً، وأقوم قيلاً.
ومن يرى أن الاجتهاد المطلق يتجزأ، على معنى: أن في الفقهاء من يبلغ رتبة الاجتهاد في باب دون باب، وأن له أن يأخذ باجتهاده في الباب الذي استطاع فيه الاجتهاد، قد يحمل مخالفة ابن القاسم للإمام مالك على أنها من قبيل الاجتهاد في أبواب بلغ فيها رتبة الاجتهاد بإطلاق، ثم إن الفقهاء الذين جاؤوا بعد ابن القاسم، ولم يقصروا على درجة الترجيح، قد يرون في قول ابن القاسم رجحانًا، فيأخذون به، ويعدون قول الإمام تجاهه ضعيفاً.
والخلاف الذي جرى في اجتهاد ابن القاسم قد جرى في الإمام أشهب،