شرع تعدد الزوجات، وشرع مع ذلك العدل بينهنّ، وشرع التسوية بين الأولاد، ونهى الأب عن أن يؤثر أحدهم بشيء يختص به دون سائر إخوته، وأمره بتربية الأولاد تربية صحيحة، فإذا جرى الزوج بين الأزواج وأولادهن على طريقة العدل، وعني بتربية الأولاد على اختلاف أمهاتهم التربية الصالحة، فمن البعيد أن ينشؤوا على تجافٍ يصل إلى شقاق، ولا يضر أن يكون عطف الفتى على أخيه من أمه أكثر من عطفه على أخيه الذي لم تلده أمه.
* إرشاد الطائفة المنتمية إلى الإسلام:
سرى إلى رهط من المسلمين روح من تلك الطائفة غير المسلمة، فصاروا ينظرون إلى حكم تعدد الزوجات بالعين التي تنظر بها تلك الطائفة المخالفة، وبدلاً من أن يعطي هؤلاء المسلمون الحكم حقه من النظر، ويقفوا وقفة الباحث عن حكمته، ويذهبوا بالفكر فيما يدعو إليه، وما يتصل به من مقتضيات، طووا عقيدتهم على إنكاره، وسارعوا إلى تلمس وجه يجعل القرآن مانعاً من تعدد الزوجات، فقالوا:
ورد في القرآن إباحة التزوج بأربع. ولكنها علقت على أمر أخبر القرآن نفسه بأنه غير مستطاع، وهو العدل، إذ قال:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ}[النساء: ١٢٩]. وما علقت إباحته على غير المستطاع، لا يعد مباحاً، بل يبقى في قبيل المحظورات.
ومعنى ما يقول هؤلاء: أن القرآن أراد المنع من تعدد الزوجات في كل حال، ولكنه لم يواجه به الناس في صراحة، ولم يخرجه في صيغة النهي الصريح، بل جعل الناس يفهمونه من تعليق الإباحة على ما لا يستطاع.
والحق أن القرآن الكريم أباح تعدد الزوجات، وقيد هذه الإباحة بشرط