جهة اعتبارها مسرحاً للأماني، وموطنًا للمساعي التي تجتني من غايتها ثمراً لذيذاً، لا بالنظر لحقيقتها التي تشاركها فيها سائر الحيوانات، وهي الصفة التي تقتضي الحس والحركة.
ولا تظهر صحة هذا الاستنتاج جلياً إلا بمشاهدة آثار النفوس العالية، ووضعها على محك النظر والاعتبار؛ فإن مدافعتها في صيانة أعراضها، وحماية أموالها، أو القانون الكافل بحقوقها لا تقصر عن درجة الدفاع للفوز بحياتها، وما ذاك إلا لما ينطوي في عقيدتها من أن كل هذه الحقائق سلاح تجاهد به في سبيل ترقياتها المدنية، وسعادتها الخالصة.
وقد يجادل الرجل عن ناموس دينه وعرضه وماله بالتي هي أبلغ وأشدة نظراً إلى أن فناءه والتحاقه بالتراب أكمل حالاً من بقائه أعزلَ من الوسائل التي يدرك بها مقامًا محموداً، وشرفاً مؤثلاً، وكثيراً ما يستوحش من عصر شبابه إذا حبط سعيه سدى، وفاجأه الحرمان من اجتناء فائدة علق عليها أملاً حريصاً.
وربما آثر انصرام أجله إذا حاق به بلاءً زرَّر عليه الفضاء، أو اشتدت به أزمة يبيت من أجلها متوسدًا لذراع الهم والمتربة، وقد يلذ له كأس المنون إذا أرهقته علة فاقرة خدّرت إحساسه، واستحال لها الماء الفرات في ذوقه ملحًا أجاجًا، إنما استلذ مرارة حتفه مكان الأياس الذي ربط على قلبه، وكسر من جناحي رجائه دون البلوغ إلى الغاية، كما يسأم من حياته إذا دبّ في ساعده الفشل، وخالط عظامه الوهن عن القيام بواجباتها، ومن تأمل قول الشاعر:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعشْ ... ثمانين حولاً لا أبا لك يسأمِ