للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: ١٦٤].

يخال بعض الناشئة أن الحرية حق يبيح لصاحبه أن يجهر بكل ما يقدح في فكره من الآراء، وينشر في مقاله كل ما يؤلفه من الهجاء والأوصاف الشائنة كما يفعل الشاعر الحطيئة، وهذا المعنى بضعة من الحرية، ولكن بعد سبكه وإفراغه في قالب أصل من الأصول التي سنتلوها عليكم في مبحث: الحرية في الأعراض.

وتطرّف فريق من الناس، ففسروا الحرية بأسوأ تفسير، وتأولوها على معنى: امتثال داعية الهوى بإطلاق وتنفيذ الإرادة، وإن مسَّ غيره بأذى، أو حجره عن حق ثابت لا يعترضه فيه نزاع، وترى كثيراً منهم لا يتصور لها معنى سوى حمل السلاح تحت لواء القوة، وإعماله في سبيل الاغتصاب.

ولا يصح في نظر أي عقل كان أن يعنون على أثر من آثار سوء الضمير ودناءة الطمع، باسم فضيلة يدرك بها المحكوم شأو الحاكم، ويترشح بها لمشاركته في اللقب كما شاركه في استقلال الإرادة، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة: ٢٠].

فتسمية بني إسرائيل جميعهم في ذلك العهد ملوكاً، انجرَّ لهم من الحرية التي نالوها بعد مغادرة أوطان الذلة، والتملص من سوء العذاب والاستعباد الذي سامهم به آل فرعون، ووضعوه في أعناقهم سلاسلاً وأغلالاً.

يقوم فسطاط الحرية على قاعدتين عظيمتين هما: المشورة، والمساواة. بالمشورة تتميز الحقوق، وبالمساواة ينتظم إجراؤها، ويطَّرد نفاذها، وكل واحدة من هاتين القاعدتين رفع الإسلام سمكها وسوّاها.