بأنها ترى الصلح؛ مخافة أن يتخطى سليمان - عليه السلام - حدودهم، فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم، فقالت:{إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا}[النمل: ٣٤].
لا تكون قاعدة الشورى من نواصر الحرية وأعوانها إلا إذا وضع حجرها الأول على قصد الحنان والرأفة بالرعية، وأما المشاركة في الرأي وحدها، ولا سيما رأي من لا يطاع، فلا تكفي في قطع دابر الاستبداد.
وأهم فوائد المشورة: تخليص الحق من احتمالات الآراء، وذهب الحكماء من الأدباء في تصوير هذا المغزى، وتمثيله في النفوس إلى مذاهب شتى، قال بعضهم:
إذا عنَّ أمر فاستشر فيه صاحباً ... وإن كنت ذا رأي تشير على الصحب
فإني رأيت العين تجهل نفسها ... وتدرك ما قد حلّ في موضع الشهب
وقال غيره:
اقرن برأيك رأيَ غيرك واستشر ... فالحق لا يخفى على الاثنين
والمرء مرآة تريه وجهه ... ويرى قفاه بجمع مرآتين
وقال آخر:
الرأي كالليل مسودٌّ جوانبه ... والليل لا ينجلي إلا بمصباح
فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى ... مصباح رأيك تزددْ ضوء مصباح
ولا يدخل في وهم امرئ سمع قولهم:"إنما العاجز من لا يستبد": أن اقتداءه بسنة الشورى يشعر الناس بعجزه، وحاجته إليهم، فتسقط جلالته من أعينهم، ويفوته الفخر بالاستغناء عنهم، فان الناصح الأمين لا تجده