للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلاسها، والعاملين على اغتصابها، أو التصرف فيها بغير ما يأذن صاحبها. قال تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من ظلم قيد شبر من أرض، طوّقه من سبع أرضين".

وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٨٨]. وقد تضمنت هذه الآية الإشارة إلى حكم الارتشاء، وقال في شأنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعن الله الراشي"، وهو دافع الرشوة، "والمرتشي"، وهو قابضها، "والرائش"، وهو المتوسط بينهما. الرشوة أخت السرقة، وابنة عم الاغتصاب، وإن شئت فقل: تزوج الاغتصاب بالسرقة، فتولدت بينهما الرشوة؛ لأنها عبارة عن أخذ مال معصوم خفية، ولكنه بسلطة على حين علم من صاحبه. وكان الذين اجترحوا سيئتها قصدوا بها معارضة قاعدة الزكاة في وضعها وحكمتها.

أما وضعها، فالزكاة مال أوجبه الله على الأغنياء؛ لتسد منه خلة الفقير والمسكين، والرشوة مال يدلي به الفقراء والأرامل والأيتام إلى الغني، ومن ولي الأحكام؛ لينصفهم في الجكومة، ولا يخذلهم في مجلس قضائه.

وأما حكمتها، فالزكاة شرعت لتطهر نفوس الأغنياء من رذيلة الشح، وتجعل بدلها الكرم والسماح، وتنزع الغل والحسد من قلوب الفقراء، وتنشر في مكانها المودة والرحمة لأهل اليسار، والرشوة تزيد الغني لهفة وحرصاً في جمع الأموال، وتفتح في صدره أبواباً من المطامع بقدر ما له سعة التصرف، وقوة النفوذ، ثم توقد له في قلب الراشي ضغينة وحقداً، وتطلق لسانه بخزيه وهوانه، وإن لم يكن بقضائه شقياً.