وكانت الجيوش الفاتحة للأندلس تحمل في أجنحتها رجالاً تفقهوا بين أيدي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ كحسين بن عبدالله الصنعاني، والمغيرة ابن أبي بردة العذري، ومحمد بن أوس الأنصاري، وزيد بن قاصد، وعبد الرحمن الغافقي. ومن المعروف في التاريخ أن عمر بن عبد العزيز أرسل عشرة من علماء التابعين ليفقّهوا أهل إفريقية في الدين، وأن من هؤلاء العلماء من دخلوا الأندلس لأول فتحها؛ مثل: بكر بن سوادة، وحيَّان بن أبي جبلة.
وورد الأندلس من غير هؤلاء رجال أوتوا العلم بالقرآن والسنة، فانبثت في تلك البلاد مبادئ الدين الحنيف، ولكن مدافعة الأعداء في الخارج، وثورات الزعماء الطامحين إلى الرياسة في الداخل، جعلت البلاد في حركات حربية عنيفة، وإنما ينهض العلم ويسير في انتظام، حيث يكون الناس في سلم وطمأنينة.
جاء صقر قريش عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، وأقام في الأندلس دولة أموية مستوثقة العرا، فإذا طوائف من العلماء يفدون من الشرق ضيوفاً على الغرب، ورجال يرحلون من الغرب، ثم يعودون بعد أن يشربوا من منابع العلم بالكأس الرويَّة، فتدفق سيل العلم بالمدائن والقرى، وأصبحت الأندلس تضاهي العراق بعلومها، وتباهيه بعلمائها. وهذه بقية من مؤلفاتهم تخلصت إلينا من يد الإحراق والإغراق، نشهد فيها العلم الزاخر، والنظر الراجح، والأسلوب الحكيم.
ولا يسمح لي وقت هذه المحاضرة أن أبحث عن حالهم في العلوم