ما يقاوم الإنسان من العواطف الشخصية، ويرمي بها وراء ظهره.
قال عبد الملك بن مروان لجلسائه: من أشجع الناس؟ فأكثروا من ذكر الأبطال، فقال لهم: أشجع الناس مصعب بن الزبير: جمع بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين، وأمة الحميد بنت عبد الله بن عباس، وولي العراقين، ثم زحف إلى الحرب، فبذلتُ له الأمان والمال والولاية، فأبى أن يقبل ذلك، واطّرح كل مشغوف به في ماله وأهله وراء ظهره، وأقبل بسيفه قَرْماً، يقاتل ما بقي سبعة نفر، حتى قتل كريماً.
وعلى هذا المنوال يجري كثير من خصال الحمد؛ كالكرم، والإنصاف، قال المتنبي:
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يُعْدِم والإقدام قتّالُ
والمشقة التي تعرض لطالب السيادة هي التعب الذي يلاقيه في مخالفة ميول نفسه، من نحو حب الحياة، والحرص على الاستئثار بالمال، والتوسع في الاستمتاع به.
وشأن الإنسان حب الانتقام ممن ألحق به أذى، فإذا كان للأذى الذي لحقه وجه من الحق، وكان الذي ألحق به الأذى على جانب من الفضل، كان مدحه له بدل هجائه تقديماً لداعي العقل على العاطفة الجامحة، وذلك هو الإنصاف.
كان سعيد بن الجودي عاقب المقدام بن المعافى، وكان شاعراً، وشأن هذا العقاب أن يهيج في نفس المقدام بغض سعيد، وحب الانتقام منه بما يقدر عليه من الهجاء، ولكن المقدام رثى سعيداً بعد موته، فقيل له: أترثيه، وقد أصابك بالضرب؟! فقال: والله! إنه نفعني حتى بذنوبه، ولقد نهاني ذلك الأدب