للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في حديثه بالمزاح إلا إلماماً مؤنساً في أحوال نادرة.

قال الأحنف بن قيس: "كثرة المزاح تُذهب المروءة"، ووجه ذلك: أن الذي يسرف في المزاح يكثر منه الوقوع في لغوالحديث، ولا يخلو من أن تصدر منه كلمات تؤذي بعض جلسائه، وكمال الإنسانية لا يلتقي بلغو الحديث، أو إيذاء بعض الإخوان في مجلس.

ومن أدب المروءة: حسن إصغاء الرجل لمن يحدثه من الإخوان؛ فإن إقباله على محدثه بالإصغاء إليه يدل على ارتياحه لمجالسته، وأنسه بحديثه، وجاء في الحديث الشريف: "من المروءة أن ينصت الأخ لأخيه إذا حدَّثه".

وإلى هذا الأدب الجميل يشير أبو تمام بقوله:

مَنْ لي بإنْسانٍ إذا أَغْضَبْتُهُ ... ورَضيتُ كانَ الحِلْمُ رَدَّ جوابِهِ

وتَراهُ يُصْغي للحديثِ بِقَلْبِهِ ... وَبِسَمْعِهِ ولعلَّهُ أَدْرى بِهِ

وشأن ذي المروءة أن يحتمل ضيق العيش، ولا يبذل ماء حياته وكرامته في السعي لما يجعل عيشه في سعة، أو يديه في ثراء، قال مهيار:

ونَفْسٌ حرَّةٌ لا يزْدَهيها ... حُلى الدُّنيا وزخرُفُها المُعارُ

يَبيتُ الحَقُّ أصدَقَ حاجَتَيْها ... وكَسْبُ العِزِّ أطْيَبُ ما يُمارُ

وذو المروءة لا يظهر الشكوى من حوادث الدهر إلا أن يتقاضى حقاً:

لا يفرحونَ إذا ما الدهرُ طاوَعَهُمْ ... يوماً بِيُسْرٍ ولا يشكون إن نُكِبُوا

وقال عبد الله بن الزبير الأسدي في عمر بن عثمان بن عفان:

فَتىً غَيْرُ محجوبِ الغِنى عن صديقِهِ ... ولا مظهر الشكوى إذا النَّعْلُ زَلَّتِ