وقال الإمام أبو حنيفة: على الحاكم المسلم متى ارتفع إليه الخصمان من أهل الكتاب أن يفصل في قضيتهم، وليس له الإعراض عنهم، وأخذ في وجوب الفصل بينهم بقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}[المائدة: ٤٩]، وقال: إن الأمر القاطع في هذه الآية ناسخ للتخيير في آية: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}[المائدة: ٤٢].
هذا أصل البحث في هذه المسألة، أما تفصيل المذاهب، وبسط أدلتها، فموضعه كتب الفقه، وأحكام القرآن.
وأباح للمسلم أن يتزوج تحت سلطان الإِسلام بيهودية أو نصرانية، وجعل لها من الحقوق ما لزوجته المسلمة، وفي الزواج صلة الصهر، وتتبعها صلة النسب، وفي هذا شاهد على أن الدين الحنيف ليس بالدين الذي يدعو إلى التقاطع المانع من المعاشرة بالمعروف، والتعاون على مرافق الحياة.
وكره الإِسلام أن يجري المسلم في مخاطبة المسلمين مجرى أولئك الذين يتعصبون لمعتقداتهم بغير الحق، فيطلقون ألسنتهم بإذاية من يجادل في صحتها، فقال تعالى:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت: ٤٦]، وقال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل: ١٢٥].
وخاتمة المقال: أن المسلمين قد استناروا بسماحة دينهم، وتعلموا من آدابه أن يحسنوا معاشرة أصحاب الأديان الأخرى، ممن لا يكيدون لهم