فليستعذ بالله من اليأس، ويدع العزلة إلى اليوم الذي يلتحق فيه بأصحاب القبور.
وإذا هان اعتزال من لا يرجوه الناس لعلم أو رأي أو معونة على عمل اجتماعي، فإن عزلة العالم أو المجرب للأمور أو المستطيع لأن يعمل مع الجماعة خيراً، ذاتُ خطر كبير، وبالأحرى حيث تظهر المنكرات، أو تكون الأمة غارقة في جهالة، أو تُبتلى بملمات اجتماعية.
واعتزال العالِم للجماعة قد يكون له أثر في قلة إصابته فيما يتعرض له من الفتاوى؛ فإن للنظر في الوقائع من ناحية ما يترتب عليها من خير أو شر دخلاً في إصابة الحق.
ولا يستقيم النظر في الوقائع من تلك الناحية إلا لمن يتصل بالناس، ويرسخ في معرفة أحوال المجتمع، وكيف يدري هذه الأحوال من هو غائب عنها، بعيد من مصادرها ومواردها؟.
وإذا انصرف بعض أهل العلم أو الرأي عن الاتصال بالجمهور أيام كانت راية الإِسلام تخفق في الشرق والغرب، وكانت النفوس في اطمئنان سائد، فإن الحال في هذه العصور يدعو إلى بذل كل عناية في التعارف والبحث عن علل ضعفنا، ثم عن الدواء القاطع لهذه العلل، وماذا ينفع البحث عن العلل وأدويتها، إذا لم ننهض إلى تركيب الأدوية، ونتعاطاها على الوجه الذي يُوفّر نشاطنا، وتشتد به سواعدنا، ويجري به دم الحياة أو الحماسة في صغارنا وكبارنا؟.
لا يليق بالفرد أن يعتزل الجماعة، ولا يليق بالجماعة أن ترى نفسها في غنى عن الاتصال بباقي جماعات الأمة، وإذا كان اتصال أفراد الجماعة