فالإِسلام أصلحَ الصلة بين الرجل والمرأة، وجعلها بمأمن من أن يلحقها وهن، أو يعلق بها كدر. وبعد أن أحكم صلة الزواج، وهذّب حواشيها، حثّ على الزواج، وجعله من سننه التي يعدّ تاركها من غير عذر مستخفًا بما أمر الله.
وإذا نظرت إلى أن حكمة الله تعالى قد اقتضت بقاء النسل؛ لإقامة الشرائع، وعمران الكون، وإصلاح الأرض، وأن النسل الصالح لا يبقى إلا بالزواج، رأيت كيف كان الزوج وسيلة إلى تحقيق أمور عظيمة أحبّ الله أن تكون، وحبب للناس القيام عليها.
وإن كنتَ من علماء الأخلاق، ونظرت إلى أن هناك فضيلة يقال لها: العفاف، وعرفت أن الزواج مما يعين على التحلي بهذه الفضيلة، ظهر لك أن الزواج وسيلة من وسائل الفضائل، وكثيراً ما تأخذ الوسائل حكم المقاصد في نظر الشارع، وفي عرف الناس.
وإذا نظرت إلى الناس "الجنس اللطيف"، وما فطرن عليه من الضعف، وعدم إطاقة الأعمال الشاقة، شهدت فيهن العجز عن أن يهيئن لأنفسهن مرافق الحياة، ويعشن في شيء من الراحة. والزواج يصل ضعفهن بقوة، ويسوق إليهن جانباً من الهناءة. ولو قصد الرجل بالزواج كفاية المرأة ما يعنيها من مطالب الحياة، لقصَد لعمل يكسبه شكوراً، وتزداد به صحيفة حياته نوراً.
أوليس الزواج يكسب الرجل رفيقة تخلص له ودّها، وتشمل منزله برعايتها؟ ومثل هذه الرفيقة التي تحمل حبه الطاهر، وتعمل لتدبير منزله في غير مَنّ ولا تباطؤ، ولا تتمثل إلا فيمن تربطه بها صلة الزواج.
وليس الزواج صلة مقصورة على الزوجين فحسب، بل تمتد هذه الصلة من الزوجين إلى أسرتيهما، فتكون حلقة واسعة في سلسلة اتحاد الأمة،