تلقى الأمير نصيحة العالم الأمين، وأساغها على ما فيها من مرارة، دل ذلك على أنه يجل الحق، ويبتغي الخير، ويريد أن يفتح لحرية القول باباً طالما أغلقه المستبدون الظالمون. ولا تبلغ الأمم مراقي المنعة والسيادة إلا أن يكون باب الحرية مفتوحاً في وجوه الدعاة المصلحين.
يقدم العالم الأمين على نصح ذي السلطان غيرة على الحق، وحرصاً على أن يكون ذو السلطان كامل السيرة، طيب السمعة، وكثير من الأمراء من يفهم وعظ العلماء على هذا القصد، ويكون في نفسه نزعة إلى الاستقامة، فيتلقى الإرشاد بارتياح وشكر.
الأمراء المستقيمون يرتاحون لوعظ أهل العلم، ومنهم من يطلب من أتقياء العلماء أن يزودوه بالوعظ؛ كما كان عمر بن عبد العزيز وأمثاله يفعلون ذلك.
يعظ العلماء المستقيمون الأمراء، فيساعدونهم على أن يكونوا أمراء راشدين، ويستطيع الأمراء أن يلاقوا العلماء بما يساعدهم على أن يكونوا علماء مصلحين، وسبيل هذه المساعدة: أن يجلوا العلماء، ويفهموهم أنهم يجلونهم لعلمهم واستقامتهم، ثم إذا استفتوهم في واقعة، طلبوا منهم أن يبينوا لهم حكم الله الذي تدل عليه نصوص الشريعة أو أصولها دلالة تطمئن إليها النفوس، وإذا استبانوا أن عالماً فقد الخشية من الله، وأخذ يبتغي مرضاتهم بتحريف النصوص، اْو تلقط الأقوال الساقطة، عمّوه في جماعة المنافقين، وأشعروه بأن مثل هذا النفاق لا يزيده عندهم إلا حقارة، ثم كانوا منه على حذر.
وبمثل هذه السيرة يصل الأمير العادل إلى أن يرى المعاهد العلمية، والمحاكم الشرعية طافحة بعلماء تزدهر بهم مملكته ازدهار السماء بالكواكب النيرة.