أما الصنف الثاني، وهو الذين يلحدون بعد قطع مراحل من التعليم الديني، ففي دعوتهم من ظلمات الزيغ إلى نور الرشد عسرة إذ يخيل إليهم أنهم عرفوا ما يعرفه الدعاة، ولم يجدوه موصلاً إلى حق، وهذا التخيل يصدهم عن الإصغاء إلى الدعوة، وإذا أصغوا إليها، فإنما يقصدون في غالب أمرهم استكشاف موضع ضعف يهاجمونها منه.
وهذا الصنف أشد ضرراً على الأمة من الصنف الأول؛ إذ الصنف الأول قد يكون إلحاده مقصوراً عليه، وإن قام بدعاية إلى الإلحاد، فإن الناس لا يستمعون إليه؛ إذ هو محمول على الجهل بحقائق الدين وأصوله، أما ذلك الذي يخرج لهم في زي رجال الدين، أو يذكر أنه درس الدين حتى انتهى إلى غاية بعيدة، فكثيراً ما يغرّ الغافلين من الشباب أو العامة؛ إذ يسبق إلى أذهانهم أنه يتكلم على بينة، ولا ينتبهون لما يحمل في صدره من زيغ، ولا لما يضمر في نفسه من أغراض دنيئة.
أقول هذا - أيها الشباب الناهضون - لأذكركم بأنكم ستلاقون شباباً سرى إليهم وباء الإلحاد والإباحية من اتصالهم بنفر أعرفَ بطرق المكر، أو أبرعَ في صناعة البيان، فخذوهم بالحكمة والرفق وسعة الصدر عند المناقشة؛ فإنكم تدعون إلى الحق، وللحق ضياء ينكشف إزاءه كل باطل، وإن خرج في ثوب مستعار من الحق.
وأنكم ستلاقون فئة ممن يدّعون أنهم درسوا الدين وهم زائغون عن سبيله، وقد يجنحون بكم إلى طريقة التأويل الفاسد، فازدرُوا أقوالهم، وارموا في وجوههم بالحجة، ولا تهابوهم، ولو لبسوا العمائم؛ فإنها قد تنصب على رؤوس لا تفكر إلا في وسائل المكر بالدين الحنيف، وهذه الخيانة تكسبهم