ثم إن الإسلام أرشد إلى أشياء قصد لها قصد الوسائل التي لا تتحقق المقاصد الأصلية إلا بها؛ كالجهاد، وعقوبات الجناة المشروعة للزجر عن الاعتداء على الدين والنفس والعرض والمال والعقل، وكالشورى؛ فإنها طريق الوصول إلى الحكم العادل، وطريق تدبير الأمور على نهج السداد، وكإطلاق العقل من أسر التقليد؛ لأنه طريق الإيمان الصادق، واستنباط الأحكام الصحيحة، وتوسيع دائرة العلوم على اختلاف موضوعاتها.
فالإسلام لم يقتصر على إصلاح العقائد، وتنظيم الصلة بين العبد وربه؛ كما يقول بعض من يظهر الاسلام ويخفي الإنكار، بل الإسلام دين سماوي، نظر إلى كل ناحية من نواحي الحياة الفردية والاجتماعية، وقرر لها نظماً مفصلة، أو وضع لها أصولاً عامة، وعدَّ الخروج على هذه النظم وهذه الأصول فسقاً وظلماً، بل سماه في بعض الآيات كفراً؛ كما قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤]، وليس من شك في أن من خرج على نظم الإسلام وأصوله معتقداً أن ما خرج إليه أقرب إلى الحكمة، وأحفظ للمصلحة، فقد خلع طوق الدين الحنيف من عنقه.
ولماذا لا يحتفظ المسلمون بشريعتهم وهي قائمة على رعاية المصالح التي يبحث عنها أصحاب القوانين الوضعية، فيسيبونها حيناً ويخطئونها أحياناً كثيرة. وقد تتبع الراسخون في العلم أحكام الشريعة الغراء فوجدوها ترجع إلى أربعة أصول: