من أكلته النقم، وإني أدعوك إلى الرب الذي إن أردت الهدى، لم يمنعك، وإن أرادك، لم يمنعك منه أحد".
ثم انظر إلى دعوة عمرو بن أمية الضمري للنجاشي، فمما يقول فيها: "إن عليَّ القول، وعليك الاستماع، إنك كأنك في الرقة علينا منا، وكأنا بالثقة بك منك؛ لأنا لم نظن بك خيراً قط إلا نلناه، ولم نخفك على شيء قط إلا أمنّاه، وقد أخذنا عليك الحجة من فيك، الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد، وقاض لا يجور، وفي ذلك وقع المحزّ، وإصابة المفصل، وإلا، فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى بن مريم".
وإذا عُدَّ بذل المال في وسائل نجاح الدعوة، فلأن الإحسان يزيل ما في النفوس من نفور، فيهيئها للنظر في أمر الرسالة، والتأمل في دلائلها، فإذا أذن الشارع بصرف جانب من المال لبعض من لم تطمئن قلوبهم بالإيمان، فإنما أذن في وسيلة من وسائل لفت النفوس المتجافية عن الحق إلى النظر في أمره، لعلها تصل إلى العقيدة الصادقة.
قال بعض من نَفَّلهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، من غنيمة هوازن:(لقد أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه لأبغض الخلق إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إليّ).
أما عن سوء سيرة رؤساء الأمم غير المسلمة، وعنف سياستهم، فذلك سبب لنفور أولئك الأقوام منهم، ووهن عزائمهم في الدفاع عن عروشهم، فيصح أن يعد من ميسرات تلك الفتوح التي هي وسيلة إلى الاتصال بالشعوب، وذلك الاتصال وسيلة إلى اطلاعها على مزايا الإسلام، ومحاسن آدابه، فتدخل فيه بركبة تملأ أفئدتها.