حتى أدرك المأمون ذلك، وقال له: ما لي أراك متغيّراً؟ وشأن العالم المصلح أن يكون صدره عامراً بالغيرة على الحق متى يظهر أثر استيائه من الباطل في وجهه قبل أن يظهر على لسانه.
وانظروا كيف افتتح يحيى بن أكثم الكلام مع المأمون بعبارة فيها تهويل وإخراج لنكاح المتعة في صورة أقبح الفواحش، إذ جعل النداء به نداء بتحليل الزنا، والعلماء المتملقون يبتغون رضا الأمراء أكثر من رضا الله، ولا يبالون أن يفتوهم بغير ما حكم الله، ويعرضون عليهم المحرمات في صورة المباحات.
وانظروا إلى المأمون إذ لم يقبل دعوى يحيى بن أكثم أن نكاح المتعة زنا، حتى طالبه بإقامة الدليل، والشأن فيمن يستطيع فهم الأدلة أن لا يقبل فتوى من عالم إلا أن تكون مقرونة بدليل.
وانظروا إلى المأمون كيف انقاد إلى الحق عندما قامت عليه الحجة، وذلك شأن من يخطئ في الدين عن سلامة نية، لا عن هوى واستخفاف بأمر الشرع الحكيم.