ولسنا نحاول في هذه الكلمة أن نقيم الأدلة النظرية على أن الحنيفية السمْحة هي الأساس النافع لبناء الأفراد والأمم، ولكن حسبنا أن نلفت النظر إلى شيء واحد فيه غناء عن كل دليل: ذلك أن التربية الإِسلامية جُربت، وأعيدت تجربتها مراراً، فنجحت في كل مرة أكبر نجاح، وانتفع بها كل من صدق في تجربتها من الأمم المتبدِّية والمتحضرة على سواء. وكان لهذا النجاح دويّ هائل في التاريخ, وروعة أخاذة في الوجود، وتحول مدهش في العالم، وانتقال سريع في حدود الممالك، وحياة جديدة صالحة لبني الإنسان في كل زمان ومكان! وكان فيها - فوق ذلك - تحقيق واسع لأمنية الجامعة الإنسانية التي تحلم بها الشعوب المتزعمة لحضارة الوجود في هذا الزمن.
وما ظنك بدين جمع تحت رايته نصف الكرة الأرضية في أقل من خمسين ومئة سنة، جمعها ولكن على مبدأ المساواة والعدل، وعلى قاعدة الحرية والرحمة.
هذا إذا نظرنا إلى الإِسلام من ناحية تأثيره في المجموع. أما تأثيره في الفرد، فإنه يتجلى لنا فيما تركه من السمو المدهش بعقل المسلم الصادق، وضميره، وعاطفته وخلقه، وعمله، وسلوكه مع الله ومع الناس، حتى لقد جعل من رعاء الشاء رعاة للأمم، وأخرج من البادين في الأعراب مضارب الأمثال في الحضارة "الصحيحة" والمدنية الراقية، وحوّل أشباه الشياطين في جزيرة العرب وغيرها إلى أشباه ملائكة يمشون على الأرض، ملؤوها بالهداية والنور، وفتحوها بالعلم والخلق، ذلك لأن الإِسلام تناول بالإصلاح كل ناحية من نواحي الإنسانية، فوفق بين مطالب الروح والجسد، وحدَّ