عنه من الدنايا، فاعتزلوا ساحتها، وشددوا النكير على من احتفظ بها، ونشأ عن هذا تطرفهم في مقام الحكم بالتفاضل بين الرجلين، إلى أن يذكر بعضهم في نعوت الشرف ما يعده غيره خسة أو لاغية.
هذا ما بعثني على أن أبحث في هذا الغرض مستمداً في تحقيقه من دلائل الشريعة المقدسة، وسيرة علمائها الراشدين؛ فإن الإِسلام لم يلق بهذا المعنى في يد العادات والأذواق، فتلبس ثوب الشرف من تشاء، وتنزعه عمن تشاء، بل أقام له قواعد، ورسم له معالم، من تخطى حدودها، وبنى على غير أساسها، كان في نظره سافلاً وضيعاً.
وإذا تقصينا أثر ما يعدّ من أوضاع الشرف في عادات الأمم، واعتبرناه بنظر الإِسلام، وجدناه على أربعة وجوه:
أحدها: ما وافق الشرعُ على اعتباره شرفاً في نفسه، فأثنى على صاحبه، ووعد بالمثوبة عليه؛ كسماحة اليد، وصدق اللهجة، والصبر للشدائد.
ثانيها: ما منحه التفاتة، وربط به بعض أحكام، ولكنه يصرح بأنه غير معتد به لنفسه، وإنما هو وسيلة إلى غاية شرف؛ كسعة المال، أو أمارة تلوح إلى ما وراءها من فضل؛ كرفعة النسب.
ثالثها: ما تغاضى عنه، ولم ينزل به إلى عدّهِ نقيصة؛ كزيادة علم لا تنبني عليه فائدة عملية.
رابعها: ما أرشد إلى أنه يخدش في وجه الشرف، ويسقط بمن يرتكبه في جرف من المنكر، كبسط يد القوة إلى ما ليس بحق، ونصرة ذي القربى وإن كان مبطلاً.
قال عمر بن الأهتم للأحنف في مجلس عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إنا كنا