المأخذ, بحيث يقل فيه الاشتباه، ولا ينتشر فيه اختلاف العقلاء متى دخلوا إلى تقريره من باب العدالة؛ فإن جهة كمال النوع الواحد إذا تعينت ورسمت حدودها, لم يبق لمن انتصب للتفضيل بين فردين منه سوى أن يقيم الموازنة بينهما من تلك الجهة، فيتجلى له حالهما من مساواة أو رجحان.
وأما الأمور المتمايزة بما هو كمال له، فإنها موضع الالتباس، فتستدعي إجالة نظر متسع، ولا يسهل وضعها في وزن مستقيم، ومما يلقي الشبهة في تحقيق التفاضل بينها: أن الوصف الواحد قد يعتبر في بعض الموجودات كمالًا، ويعدّ في غيره نقيصة، ومن هنا ترى بعض المحكمين في التفضيل بين أمرين، يتخذون افتراقهما في النوع عذراً يتخلصون به من القطع في المفاضلة بينهما.
حكى أبو عبد الله بن الحباب: أن أبا جعفر بن يوسف الفهري الأبلي سأله: ما الأحسن: كتاب "المقرب"، أو "شرح الجمل" لابن عصفور؟ قال: فما تخلصت منه إلا أني قلت له: ذلك تأليف مستقل، وهذا شرح.
ويقف بك على دخول التفاضل بين الحقائق المتباينة، وصحة التصدي للقضاء فيه: قوله تعالى في نسق الامتنان علي بني آدم: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء: ٧٠]، وإذا أجريت المفاضلة بين المتباينين في الحقيقة، ولم يستند فيها إلى وحي سماوي، فبملاحظة عظم منافعها، وأهمية ما يقصد منها, كما عقدوا التفاضل بين السمع والبصر، والقلم والسيف، والليل والنهار.
يتفاضل البشر بحسب استعداداتهم الفطرية، وما يتهيا لهم من وسائل الارتقاء: إلى رجل تصعد به محامده حتى يسابق الملائكة في سماواتها العلا،