أَذَّن بالعصر، مع أن إسناد الفعل إلى المفعول به - ولو بوسيلة حرف الجر - غير عزيز، وإنما يحكم عليه بالخطأ إذا صدر ممن لا يدري وجوه تصاريف الكلام العربي بفطرته، أو بتلقين.
ويشاكل هذا قول ابن قتيبة في "أدب الكاتب": "المَلَّة يذهب الناس إلى أنها الخبزة، فيقولون: أطعمنا ملة. وذلك غلط، إنما الملة موضع الخبزة"، قال ابن السيد في "شرحه": "وليس يمتنع عندي أن تسمى الخبزة ملة لأنها تطبخ في الملة كما يسمى الشيء باسم الشيء إذا كان منه بسبب. أو يخرج على حذف المضاف إلى خبز ملة".
والصواب ما عرفته من أن التخطئة والتصويب في مثل كذا يرجع فيهما إلى حال المخاطب؛ إذ الذي يطلق الملة على نفس الرغيف، ويظهر لك من قرينة حاله أو صريح مقاله أنه أطلقها على اعتقاد أنها موضوعة للرغيف بوضع حقيقي، لا يخلص من سهام التخطئة، ولو احتملت عبارته وجهًا من وجوه القياس الصحيح.
ومن هذا القبيل حكم ابن قتيبة أيضاً على قول العامة:"تجوع الحرة ولا تأكل ثدييها" بأنه خطأ، وقال: الصواب: "بثدييها"، فقال ابن السيد في "شرحه": أما ما يذهب إليه العامة من أن المعنى لا تأكل لحم ثدييها، فهو خطأ، ولكن يجوز على التأويل بحذف المضاف إلى أجر أو ثمن ثدييها، أو على المبالغة بجعل كلها لأجر ثدييها بمكان كل الثديين أنفسهما.
والتفصيل الذي سبق آنفاً من النظر في مثل هذا إلى حال المتكلم يجري هنا لولا أن العبارة مَثَل، والأمثال لا تُغير، فمن قصد بها ضرب المثل، فقد أخطأ من جهة تحريف المثلُ، وإن كانت العبارة التي ينطق بها العامة في نفسها