الوجه الثاني: أن يكون هناك فعل يصح أن يقصد المتكلم لمعناه مع معنى الفعل الملفوظ، وبه يستقيم النظم، وهذا إن صدر ممن شأنه العلم بوضع الألفاظ العربية، ومعرفة طرق استعمالها، حمل على وجه التضمين الصحيح، كما قال سعد الدين التفتازاني:"فشمرت عن ساق الجد إلى اقتناء ذخائر العلوم"، والتشمير لا يتعدى بإلى، فيحمل على أنه قد ضمن شمر معنى الميل الذي هو سبب التشمير عن ساق الجد.
فإن صدر مثل هذا من عامي، أو شبيه بعامي؛ أي: ممن يدلك حاله على أنه لم يبن كلامه على مراعاة فعل آخر مناسب للفعل الملفوظ، كان لك أن تحكم عليه بالخطأ، فلا جناح عليك أن تحكم على قول العامة - مثلاً -: أرجو الله قضاء حاجتي، باللحن، والخروج عن قانون اللغة الفصحى؛ لأن فعل الرجاء لا يتعدى إلى مفعولين، وليس لك أن تخرجه على باب التضمين؛ كأن تجعل "أرجو" مشرباً معنى "أسال" بناء على أن بين الرجاء والسؤال علاقة السببية، فإن هذا الوجه لم ينظر إليه أولئك الذين استعملوا فعل "أرجو" متعديا إلى المفعولين.
ومن هنا نعلم أن من يخطئ العامة في أفعال متعدية بنفسها، وهم يعدونها بالحروف، مصيب في تخطئته، إذ لم يقصدوا لإشراب هذه الأفعال معاني أفعال أخرى تناسبها، حتى يخرج كلامهم على باب التضمين.
وليس معنى هذا أن التضمين سائغ للعارف بطرق البيان دون غيره، وإنما أريد: أن العارف بوجوه استعمال الألفاظ، لا نبادر إلى تخطئته، متى وجدنا لكلامه مخرجاً من التضمين الصحيح. أما غيره؛ كالتلاميذ، ومن يتعاطى