وقال:"وهو أبلغ الحكمة؛ لأن الناس لا يجتمعون على ناقص، أو مقصر في الجودة، أو غير مبالغ في بلوغ المدى في النفاسة".
وقال أبو عبيد:"اجتمع في الأمثال ثلاث خلال: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه".
يصوِّر المثل الحقائق في أجلى صورة، ويريك المعاني الكثيرة في الكلمات القليلة، فإذا أردت أن تصف رجلاً بالدهاء، وجودة الرأي، والأخذ في تدبير الأمور بأنجح الطرق، ورمت أن تعبر عن هذا المعنى بلفظ موجز ينقشه في نفس المخاطب حتى كأنه يراه رأي العين، ضربت فيه المثل:"يعرف من أين تؤكل الكتف".
وإذا سمعت كلاماً كثيراً لا تُجنى منه فائدة، وأردت أن تصفه بكلمة يخف وقعها في الأذن، وتضع ذلك المعنى موضع المشاهد، ضربت فيه المثل:"أسمع جعجعة، ولا أرى طحناً".
يحسن ضرب المثل حيث يكون سبب وروده معروفاً للمخاطبين.
وكثير من الأمثال لا يفهم منها معنى، وإن كانت ألفاظها واضحة الدلالة على معانيها المفردة، فالمثل:"إن يبغ عليك قومك، لا يبغ عليك القمر"، مفرداته واضحة المعاني، وليس في تركيبه حذف، ولا لفظ يتوقف فهمه على كلام يسبقه أو يأتي من بعده، ولو سقته في الحديث مع من لا يعرف مورده، لم تصل به إلى الغرض الذي تستعمل من أجله الأمثال، وهو إبراز المعنى في صورة مألوفة تتلقاها النفوس بارتياح، وإنما يفي هذا المثل بالغرض، ويقع المعنى المقصود في نفس المخاطب موضع الجلي الواضح، متى عرف: "أن بني ثعلبة بن سعد بن ضبة في الجاهلية تراهنوا على الشمس والقمر ليلة