تأخذ في النمو والتدرج في مراقي الكمال، ولم ينقضِ العصر الذي ظهر فيه الإسلام، ونزل فيه القرآن، حتى بلغت اللغة أشدها، وتسنمت ذروة كمالها، فاستقرت على هذا الحال الكامل من جهة قوانين بيانها، وفنون بلاغتها، وفصاحة ألفاظها.
ولا بد للغة الحية بعد هذا التطور الكمالي من تطورآخر تساير به حاجات العصر، ومقتضيات الحضارة في دائرة ما انتهت إليه من كمالها الجوهري، ولم تقف اللغة دون هذا في المائة الأولى لصدر الإسلام، واستطاعت أن تعبر عن كل معنى من معاني العلوم أو المحدثات، وأصبح الفرق بين التطور الذي أخذته اللغة في عهد الدولة الأموية وصدر الدولة العباسية، والطور الذي بلغته في عهد نزول القرآن الكريم واضحاً.
قال حضرة العضو المحترم (ص ١): "وقد كان للاتصال بين اللغة العربية والقرآن الكريم أثران عظيمان".
قال حضرته هذه العبارة، ثم ذكر الأثرين، وسنسوق إلى حضراتكم نص حديثه عن هذين الأثرين، ثم ملاحظاتنا عن ذلك الحديث، حتى يتبين أن صلة الاتصال بين اللغة العربية الفصحى والقرآن الكريم قد أورثت اللغة أساليب بديعة، وارتقت بفنون تبلغها إلى ذروة الكمال، ولم ينشأ عن هذا الاتصال أثر يصدق عليه أنه عقيم.
قال حضرة العضو المحترم مبيناً الأثر الأول الذي قال: إنه نشأ عن الاتصال بين الفصحى والقرآن الكريم: "الأول: أن اللغة العربية احتفظت بصورة كادت تكون مستقرة مدة تزيد على ثلاثة عشر قرناً، وصار التراث الثقافي المتخلف من تلك القرون كلها ملكاً سهل التناول لكل من يقرأ الفصحى