قال حضرة العضو المحترم (ص ١٩): "ولو استطعنا أن تتجرد من قيود الأساليب القديمة، لسهل علينا تطوير الفصحى بحيث تقترب من العامية خطوة جريئة في الطريق السوي، بغير أن يعود ذلك بضرر على الفصحى، بل يكسبها قوة وشباباً".
للغة الفصحى أساليب محكمة، وبعد أن يحافظ الناس على قوانين النحو، يجدون في دائرة هذه القوانين صوراً من التراكيب يتفاضل فيها البلغاء، فإن أراد حضرة العضو المحترم من الأساليب القديمة: الأساليب التي يبحث عنها النحاة من حيث الصحة والفساد، كان التجرد من قيودها هدماً لكيان اللغة الفصحى، وإن أراد من الأساليب القديمة: صور التراكيب التي يتفاوت فيها البلغاء بعد الاحتفاظ بالقوانين النحوية، فهذه يسوغ التجرد من قيودها إن كان في التجرد منها تطوير للغة؛ لأنه لا يعود على الفصحى بضرر، وربما أكسبها قوة وشباباً. وإذا قلت: إنَّ سلامة اللغة الفصحى في الوقوف عند قوانين نحوها، أريد: القوانين التي اتفق عليها النحاة، أو قررها جمهورهم، أو انفرد بها أحد علماء العربية الذين لا يقطعون رأياً إلا بعد نظر واجتهاد.
وقد أصدر المجمع قبل هذا قرارات قصد بها التوسع في أساليب اللغة، وتيسير وضع بعض المصطلحات، اعتمد فيها على آراء انفرد بها بعض العلماء عن الجمهور، ولا ننكر أن يقوم اليوم أحد الدارسين للعلوم العربية، ويتخذ في بعض المسائل العربية مذهباً يخالف به رأي الجمهور، على شرط أن يذكر أدلة علمية على ما ذهب إليه. والذي لا نرتاح إليه أن يتعرض بعض من لم يدر أصول اللغة العربية إلى إحدى المسائل العربية، ويرتجل فيها رأياً لم يسبقه إليه أحد، معتمدً على ذوقه الخاص، دون أن يسنده إلى شاهد يعتد به، أو قياس.