ولو قالوا:"ما أضيق هذا الخيال! "، أو:"ما أسخف هذا التخيُّل! "، فهم السامع أن ليس له قدرة على إخراج المعاني في صورة مبتكرة.
فيصح لنا أن نأخذ هذا المعنى الذي يحضر في الذهن عند سماع تلك الجمل، ونشرح به معنى المخيلة، فنقول: هي قوة تتصرف في المعاني؛ لتنتزع منها صوراً بديعة.
وهذه القوة إنما تصوغ الصور من عناصر كانت النفس قد تلقتها من طريق الحس أو الوجدان، وليس في إمكانها أن تبدع شيئاً من عناصر لم يتقدم للمتخيل معرفتها، ومثال هذا من الصور المحسوسة: أن قدماء اليونان رمزوا إلى صناعة الشعر بصورة فرس له جناحان، وهي صورة إنما انتزعها الخيال بعد أن تصور كلاً من الفرس والطير بانفراده.
أن هذا الشاعر قد تخيل الأغوال وأنيابها، ولم تسبق له معرفة بها، إذ لا أثر للغول وأنيابها، ولا لشيء من موادها في العيان، فيلوح لك أن هذا التصرف يقدح في قولنا: إن المخيّلة لا تؤلف الصور إلا من مواد عرفتها بوسيلة الحس أو الوجدان.
والذي يكشف الشبهة: أن كلاً من الغول وأنيابها صورة وهمية، ولكن لم يحدثها الخيال من نفسه، بل أخذ من الحيوانات الفظيعة المنظر أعضاء متفرقة، وأنياباً حادة، وتصرف فيها بالتكبير، ثم ركَّبها في صورة رائعة، وهي