نفس الممدوح أولاً، وتقبل على سماع المديح بارتياح. وقد أشار أبو الطيب المتنبي إلى هذه العادة بقوله:
إذاكان مدحٌ فالنسيبُ المقدَّمُ ... أكلُّ فصيح قال شعراً متيَّمُ؟
لَحُبُّ ابن عبدالله أولى فإنه به ... يبدأ الذكر الجميل ويختم
وأنكر عليهم تطويل الغزل في قصائد المديح عمرو بن العلاء، فقال:"يا معشر الشعراء! عجباً لكم! إن أحدكم يأتينا فيمدحنا بقصيدة يتنسب فيها، ولا يبلغنا حتى تذهب لذاذة مرحه، ورونق مدحه".
ومن كبار الأدباء من ينتقل من الغزل إلى المديح، ولا يراعي مناسبة خاصة. ومنهم من يراعي مناسبة خاصة بين الغزل والمديح، ويسميه علماء البديع: حسن التخلص؛ كقول أبي تمام:
أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا؟ ... فقلت: كلا، ولكن مطلع الجود
وقد أقبل المحدَثون على حسن التخلص، فأتوا بتخلصات بديعة، ومعان مبتكرة، وكتبُ الأدب حافلة بذلك، منها: قول القاضي الشيخ ابن عاشور يمدح الصادق صاحب تونس، أذكر منها:
..................... ولاح لها من كاذب الفجر ما يبدو
فقلت لها: مهلاً، وبالصادق ابشري ... فقالت: أجل. إن الأمير هو القصدُ
والذي يدرك الشعر البارع: الأدباء؛ لأنهم يمارسون الأدب، ويعرفون التخيل الجيد، والمعاني الغريبة، وارتباط بعضها ببعض، ويصحبون من قضى زمناً مديداً في نظم الشعر، فقد كان الشاعر كثير راوية جميل، وكان جميل راوية هدبة، وكان هدبة راوية الحطيئة، وكان الحطيئة راوية زهير وابنه كعب،