للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبرد: "من طلب عيباً، وجده، ومن طلب مخرجاً، لم يفته".

وممن عني بالدفاع عن الأشعار المعيبة: أبو عبد الله محمد بن جعفر القيرواني التميمي النحوي المتوفى سنة ٤١٢ هـ، ومن مؤلفاته كتاب "ضرائر الشعر" (١) تكلم فيه عما يجوز للشاعر دون الناثر، وأوشك أن يأتي لكل ما عيب به الشعر من ناحية مخالفة قوانين اللغة، ويجعله من الرخص الشعرية.

والواقع أن في الشعر مآخذ ينظر فيها إلى ما هو أحسن في النظم، وأظهر في الغرض.

ومن هذا: عيب بلال بن بردة لقول ذي الرمة من قصيدة أنشدها بين يديه:

رأيتُ الناسَ ينتجعون غيثاً ... فقلتُ لصيدح انتجعي بلالاً

يقال: إن ذا الرمة لما أنشد بلال بن بردة هذا البيت، قال بلال: يا غلام! مر لصيدح بقتَّ وعلف؛ فإنما هي انتجعتنا؛ ومن الظاهر أن ذا الرمة إنما أراد من انتجاع صيدح -التي هي ناقته- انتجاع نفسه، ومثاله في القرآن قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: ٨٢]، وإنما المراد: أهل القرية، وأهل العير؛ وإذا ذكر العريى انتجاع الناقة للممدوح، وعنى به انتجاع نفسه، فلأن الراحلة لا تنتجع مكاناً إلا حيث ينتجعه صاحبها، ومثل هذا المجاز لا يخفى على بلال بن بردة، ولكن الأوفق بمقام الاستعطاف وإظهار الحاجة أن ينسب الشاعر الانتجاع لنفسه.

ومن المآخذ: ما يورده صاحبه على غير تثبت، فلا يقع موقع السداد،


(١) توجد منه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية.