للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في شعره عبارة تجري على ألسنة الجمهور بعد أن يكسوها مسحة خفيفة من العربية الفصحى؛ كقول ابن النبيه:

قل لأحبابٍ كسوني الأرقا ... ماتَ صبري فلهم طولُ البَقا

نعم، وجد في هذا العصر ما وجد، وفشا في بعض العصور قبله وبعده من الاستكثار من أنواع البديع؛ كالجناس، والتورية، ولكن قصد الشعراء البارعين إلى نحو هذين النوعين من البديع إنما يكون في بعض المقطعات، أو الأبيات المعدودة من القصائد، ثم إن قصدهم إلى هذه الأنواع لا يمس براعتهم في صناعة الشعر؛ لأنهم يحسنون صنعها، فتسيغها أذواق الأدباء دون أن تحس بشيء من الثقل والكلفة.

وللشعر الحماسي في ذلك الوقت باعث قوي هو انتصار الدولة، وعزة مكانتها، فإذا شعر الأديب بأنه يعيش تحت سماء عزة وكرامة، كان شعوره هذا من مهيئات البراءة في فن الحماسة، فإذا انضم إلى هذا كبرُ نفس الشاعر، رأيته يذهب في هذا الفن من فنون الشعر مذاهب بديعة، وانظر إلى البهاء زهير كيف يقول:

أهوى التذلُّلَ في الغرام وإنما ... يأبى صلاحُ الدين أن أتذللا

ومن أبلغ ما وقع في الشعر من الحماسة قول ابن سناء الملك:

سوايَ يهابُ الدهرَ أو يرهبُ الردى ... وغيريَ يهوى أن يعيشَ مخلَّدا

ولكنني لا أرهبُ الدهر إن سطا ... ولا أحذر الموتَ الزُّؤامَ إذا عَدا

توقُّدعزمي يتركُ الماءَ جمرةً ... وحليةُ حلمي تترك السيفَ مِبْرَدا

وأظمأ إن أبدى لي الماءُ مِنَةً ... ولو كان لي نهرُ المجرَّةِ موردا