الحطيئة، وقال: وجدت شعره كله جيداً، فدلني على أنه كان يصنعه، وليس هكذا الشاعر المطبوع، إنما الشاعر المطبوع الذي يرمي بالكلام على عواهنه جيده على رديِّه. ولعلهم يريدون من الردي: الأبيات التي تكون في مرتبة دون مرتبة الإبداع؛ فإن اشتمال شعر الرجل الذي عرف بالبراعة على أبيات في مرتبة متوسطة، يدل على أنه لا يبالغ في تهذيب شعره، بل يلقيه على نحو ما تسمح به قريحته.
ومن شواهد أن حسان لم يكن يتأنى ويتكلف للشعر: ما يروى من أنه قد يقول الشعر في المجلس الذي وجد فيه الباعث على الشعر؛ كقصته مع وقد تميم إذ جاؤوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنشد أحد شعرائهم الزبرقان بن بدر أبياتاً يفخر فيها بقومه، فأجابه حسان في المجلس بالقصيدة التي يقول في طالعها:
إن الذوائبَ من فِهْرٍ وإخوتِهمْ ... قد بيّنوا سُنَّةً للناس تُتّبعُ
والأصمعي الذي عاب الحطيئة بالتصنع في الشعر، شهد لحسان بسمو المكانة في الشعر، وقال: حسان بن ثابت أحد فحول الشعراء.
وقال ابن رشيق في كتاب "العمدة": وأشعرُ أهل المدر بإجماع واتفاق من الناس: حسان بن ثابت، ثم قال: وقوم يرون تقدمة الشعر لليمن، في الجاهلية بامرئ القيس، وفي الإسلام بحسان بن ثابت.
كان عمر بن الخطاب يرجع في القضايا التي تتعلق بالشعر إلى حسان.
استعداه وهي تميم على الشاعر المعروف بالنجاشي لما هجاهم، فألقى النظر في أمرهم إلى حسان، ونفذ عمرُ ما حكم به حسان، وكذلك فعل في هجاء الحطيئة للزبرقان بن بدر، فقد أخذ رأي حسان في أن ما قاله الحطيئة