للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الناس يتنافسون في رواية أقوالهم، والاطلاع على أسرار تراكيبهم، لا يعدو ثلاث جهات:

١ - ما يقصد إليه المتكلم من معان يقتضيها المقام زائدة على أصل المعنى.

٢ - ما يقع من التصرف في المعاني بإيرادها في طرق تختلف بالوضوح والخفاء.

٣ - ما يعرض للكلام من وجوه تكسوه حسناً، وتزيده في نفس السامع وقعاً.

أخذت اللغة زينة البلاغة في عهد الجاهلية؛ إذ كانت حياة العرب تقوم على التفاخر بالأنساب والأحساب، وما فتئوا يخوضونها حروبًا حامية، والحروب مدعاة لإتقان صناعة البيان، ثم جاء الإسلام فبعثها مقامًا أرفع، وفتح في وجهها طرقاً أبدع، وألقى عليها ديباجة أنقى وأنصع، فازدادت سعة على سعتها، واكتست بهجة فوق بهجتها، وقد ظهرت آثاره في ألفاظها وأساليبها، في معانيها وأغراضها.

وقد دفع القدماء من علماء البيان ما يتوهم من أن وجوه البديع من صنع المحدثين في صدر الدولة العباسية، فهذا عبد الله بن المعتز يقول في كتابه "البديع": "إن بشاراً وأبا نواس ومسلم بن الوليد ومن يتقيلهم (١) لم يسبقوا إلى هذا الفن، ولكنه أكثر في أشعارهم، فعرف في زمانهم". وهذا أبو هلال العسكري يقول: "هذه أنواع البديع التي ادعى من لا روية له ولا رواية


(١) يتقيلهم: يشبههم.