للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما يقال للمهلكة: مفازة، وللغراب: الأعور على المغيرة منه لصحة بصره، وكما نبه على الفن الذي يسميه قدامة: "إشارة"، وسيأتي بيانه.

والمبرّد أول من نظر في سر التأكيد - على ما نعلم -، وفرَّق بين قولهم: "عبد الله القائم"، و"إنّ عبد الله قائم"، و"إن عبد الله لقائم"، فنبه على أن الأول إخبار عن قيامه، والثاني جواب عن سؤال، والثالث جواب عن إنكار منكر لقيامه، وصار كلام المبرد هذا أصلاً من أصول علم المعاني تتفرع منه مباحث دقيقة.

وممن نشؤوا في عهد هؤلاء، وتكلموا في بعض وجوه البيان: ابن دريد المولود سنة ٢٢٣، المتوفى سنة ٣١١، ومن أثره في هذا: أن نراه قد عقد في كتاب "الجمهرة" بحثًا عنوانه: (باب الاستعارات)، ولم يسلك في هذا الباب طريق الفرق بين الاستعارة والمجاز المرسل، بل ساق أمثلة وشواهد هي قائمة على التشبيه، كما قال:

الظمأ: العطش، وشهوة الماء، ثم ذكر ذلك حتى قالوا: ظمئت إلى لقائك، وقالوا: الوجور: ما أوجره الإنسان من دواء أو غيره، ثم قالوا: أوجره الرمح: إذا طعنه في فيه. وساق أمثلة وشواهد أخرى ترجع إلى المجاز المرسل، كما قال: والغيث المطر، ثم صار ما نبت بالغيث: غيثاً، وقال: الوغى: اختلاط الأصوات في الحرب، ثم كثرت وصارت الحرب وغى، وقال: الظعينة: المرأة في الهودج، ثم صار البعير والهودج ظعينة.

وظهر بعد ابن قتيبة والمبرد عبد الله بن المعتز المتوفى سنة ٢٩٦، فألّف كتاباً سمّاه: "البديع"، ونبّه على أنه أول من كتب في هذا الفن مستقلاً، فقال في ديباجة هذا التأليف: "وما جمع قبلي فنون الأدب أحد،