المنثور والأسجاع، ومن المزدوج وما لا يزدوج، فمعنا العلم على أن ذلك لهم شاهد صادق من الديباجة الكريمة، والرونق العجيب".
وأذكر في هذا الصدد: أن ابن الأثير قد نفى أن يكون مما ذكره حكماء اليونان في المعاني الخطابية فائدة في بلاغة اللغة العربية وبيانها، فقال في "المثل السائر": "إن المعاني الخطابية قد حصرت أصولها، وأول من تكلم في ذلك: حكماء اليونان، غير أن ذلك الحصر كلي لا يستفيد بمعرفته صاحب هذا العلم -يعني: علم البيان-، ولا يفتقر إليه؛ فإن البدوي البادي راعي الإبل ما كان يمر شيء من ذلك بفهمه، ولا يخطر بباله، ومع هذا، فإنه كان يأتي بالسحر الحلال إن قال شعراً، أو تكلم نثراً".
وذكر ابن الأثير أن أبا نواس، ومسلم بن الوليد كغيرهم من الشعراء والكتاب لم يكن لهم علم بما ذكره علماء اليونان، ثم قال: "فإن ادعيت: أن هؤلاء تعلموا ذلك من كتب علماء اليونان، قلت لك في الجواب: هذا باطل بي أنا؛ فإني لم أعلم شيئاً مما ذكره حكماء اليونان، ولا عرفته، ومع هذا، فانظر إلى كلامي، فقد أوردت لك نبذة منه في هذا الكتاب.
وإذا وقفت على رسائلي ومكاتباتي، وهي عدة مجدات، وعرفت أني لم أتعرض لشيء مما ذكره حكماء اليونان في حصر المعاني، علمت حينئذ أن صاحب هذا العلم - من النظم والنثر - بنجوة من ذلك كله؛ لأنه لا يحتاج إليه أبداً".
فإذا لم نقبل دعوى أن البيان العربي مأخوذ من البيان اليوناني، فلأن صاحب هذه الدعوى لم يسندها إلى بينة:
والدعاوى إن لم يقيموا عليها ... بيناتٍ أبناؤها أدعياء