هذه العلل، وتنذر الناس موتة اليأس والجبن والخمول، وتلقي عليهم دروساً في أسباب الحياة ووسائل الخلاص.
التفت الشرق إلى ما كان في يده من حكمة، وإلى ما شاد من مجد، والى من شبَّ في مهده من أعاظم الرجال. أخذ ينظر إلى ماضيه ليميز أبناؤه بين ما هو تراث آبائهم، وبين ما يقتبسونه من الغرب، وليشعروا بما كان لهم من مجد شامخ، فتأخذهم العزة إلى أن يضموا إلى التالد طريفاً، وليذكروا أنهم ذرية أولئك السراة، فلا يرضوا أن يكونوا للمستبدين عبيداً.
أنشأ أولو الأحلام الراجحة من الزعماء والكتّاب، يأخذون بما يظهر من جديد صالح، ولا ينكثون أيديهم من قديم نافع، فاستطاعوا بهذه الحكمة والروية أن يسلكوا قلوب الأمة في وحدة، ويخطوا بها إلى حياة العلم والحرية والاستقلال.
نظر إلى هذه النهضة الزاكية من لا يرغبون في تقدم هذه الأمم إلى خلاصها ولو خطوة، وعرفوا أن بايدي هذه الأمم كتاباً فيه نظم اجتماعية، وآيات تأخذ في شرط إيمانهم به ألاّ يلينوا لسلطة شأنها أن تسوسهم على غير أصوله، فما كان من هؤلاء القوم الذين يستحلون إرهاق الأمم، إلا أن يبتغوا الوسيلة إلى فتنة القلوب وصرفها عن احترام ذلك الكتاب، والغاية تقويض بناء هذه الوحدة السائرة بنا إلى حياة سامية، وعزّ لا يبلى.
فسقت طائفة عن أدب الإِسلام، وأرهفت أقلامها لتعمل على هذه الخطة الخاذلة، غير مبالية بسخط الأمة، ولا متحرجة مما سينطق به التاريخ من وضع يدها في يد خفية، لا شأن لها إلا نصب المكايد لأمة كان لها العزم النافذ، والكلمة العليا.