ألحَّ عليّ الشك، فأخذت أبحث وأفكر، وأقرأ وأتدبر حتى انتهى بي هذا كله إلى شيء إلا يكن يقيناً، فهو قريب من اليقين، ذلك أن الكثرة المطلقة مما نسميه شعراً جاهلياً ليست من الجاهلية في شيء".
كان الدكتور (مرغليوث) قد ادعى أن الشعر الجاهلي مزوّر ومصنوع، وتعرض لهذا البحث في مجلة الجامعة الآسيوية الملكية سنة ١٩١٦ م (ص ٣٩٧)، وفي مادة "محمد" من "دائرة معارف الأديان والعقائد"، وفي كتابه "محمد" المطبوع سنة ١٩٠٥ م (ص ٦). وممن تصدى للرد عليه السر (تشارلس جيمس ليل) في مقدمة ترجمة "المفضليات" المطبوعة سنة ١٩١٨ م.
ثم عاد الدكتور (مرغليوث)، وكتب في مجلة الجامعة الآسيوية الملكية الصادرة سنة ١٩٢٥ م مقالاً مسهباً أتى فيه على الشُّبه التي جرّت إلى نظرية الشك في الشعر الجاهلي، فابتدأه بقوله: "بدأ المسلمون في حوالي نهاية العصر الأموي يدّعون وجود شعر جاهلي عربي، ولم يكتفوا بذلك حتى زعموا أنهم جمعوا الجزء الأعظم منه". وأنهاه بقوله: "أما الجواب عن الشعر الجاهلي: هل هو يرجع إلى عهد عتيق، أو أنه إسلامي؟ فخير ما يسلك الإحجام عنه؛ لأن الأدلة الموجودة أمامنا موقعة في حيرة".
فالمؤلف أغار على نظرية الشك في الشعر الجاهلي، ولم يفترق عن (مرغليوث) إلا في تسليمه بأن هناك شعراً جاهلياً، فأخذ أصل النظرية، وأقوى الشُّبه التي استند إليها (مرغليوث)، وجعل يقول لك: هو أني شككت في الشعر الجاهلي، ويداعبك بقوله: ألححت في الشك، أو قل: ألحّ علي الشك. والحديث في صدق وأمانة خير من هذه المداعبة.