في جانب، وأن أولئك المستنيرين من العرب كانوا في جانب آخر، وأن العامة كانوا ما بينهما يغالبهم النبي - عليه السلام - في طائفة منهم، فيأخذهم إلى الإسلام، ويغالبونه في أخرى، فيضعونها في حزبهم.
ولأمر ما رسم المؤلف للعرب في عهد النبوة هذه الصورة المختزلة.
والواقع أن العرب كانوا -لعهد نزول القرآن- على فريقين:
الأول: فريق استحب جاهليته على الإسلام، وهؤلاء طبقتان: طبقة كانت على مهارة في تصريف الكلام، والتقلب في فنون الجدل والخصام، وطبقة لا تفهم من القول إلا صريحاً، ولا تعي من الحجج إلا ما كان عليه آباؤها الأولون.
والآخر: فريق ابتغى الإسلام ديناً، وهؤلاء طبقتان أيضاً: طبقة ذات عقول راجحة، وأخرى ذات فطر سليمة، ولكنها دون الطبقة الأولى في قوة الحجة والخبرة بدقائق الأشياء.
والقرآن كما يمثل الطبقتين الأوليين، يمثل هاتين الطبقتين أيضاً في مثل قوله:[وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ][النساء: ٨٣].
ولا أراني في حاجة إلى أن أسوق أسماء بعض الرجال الذين عرفوا باستنارة العقل لذلك العهد، واعتنقوا الإسلام بسريرة نقية، وكان لهم في حمايته والدعوة إلى سبيله مواقف مشهودة، وسيرة أصفى من طلعة القمر ليس دونها سحاب.
يحشر المؤلف قلمه في الحديث عن تاريخ عهد النبوة، فيمشي في غير طريق. ولا ندري: أقصا هذا الانحراف، أم هو ناشئ عن عدم درس