للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنت قد قرأت هذا الخبر المرويّ في "طبقات الشعراء"، وهو لا يدل إلا على أن إسماعيل نسي لغة أبيه إبراهيم، ومقتضاه: أن العدنانية الذين هم من ذريته قد خلقوا ينطقون بالعربية، وليسواهم الذين "محيت لغتهم الأولى من صدصرهم، وثبتت فيها هذه اللغة الثانية المستعارة".

فإن قال المؤلف في تأويل حديثه: إن هذا من قبيل وصف القبائل بما جرى لآبائهم، قلنا له: أنت إذن تريد من النظرية التي جعلت هذا الخبر أساسًا لها: أن إسماعيل - عليه السلام - عرف من لغة العرب ما لم يكن يعرف، فنشأ أبناؤه العدنانيون على النطق باللغة العربية، ولكونهم نبتوا من أصل غير عربي سموا مستعربة.

وتنحل هذه النظرية إلى أن نسب العدنانية متصل بإسماعيل، وأن إسماعيل أول من تكلم بالعربية من آبائهم. والشطر الأول من النظرية قائم على أساس أوثق من هذا الخبر الذي لا يعرفه المحدثون، وهو مجموع الآيات والأحاديث، أو ما استفاض على ألسنة العرب قبل الإسلام. أما الشطر الثاني منها، وهو أن إسماعيل أول من تكلم بالعربية، فهو جار على طبيعة اتصاله بقبيلة عربية، وإقامته بين ظهرانيهم، ومن الأحاديث الواردة في هذا المعنى (١) حديث: "أول من فُتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل"، والمراد بالعربية المبينة: هذه اللهجة الفصحى التي نزل بها القرآن، لا اللغة العربية. ومتى صح الحديث، لم يمانع من أن تكون هذه اللغة المبينة تمشت بعد عهد إسماعيل على سنّة الرقي، واتسعت حسب تجدد المعاني واختلاف الأذواق، فيما تستحسنه من صوغ الجمل وابتدل الأساليب.


(١) أخرجه الطبراني، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن.