فيها بشيء يشبه أن يكون اختلافاً في اللهجة، أو تباعداً في اللغة، أو تبايناً في مذهب الكلام. البحر العروضي هو هو، وقواعد القافية هي هي، والألفاظ مستعملة في معانيها كما تجدها عند شعراء المسلمين، والمذهب الشعري هو هو".
لا يشعر القارئ في هذه المطولات بشيء يشبه أن يكون اختلافاً في اللهجة؛ لأن للشعر والخطابة منذ عهد الجاهلية لغة واسعة النطاق، بعيدة ما بين الأطراف.
وليس كل ما تسمعه فيما يصوغه الفصحاء من شعر أو نثر هو لغة قبيلة واحدة، بل هو مستخلص من لغات شتى، وفي هذه اللغة الضارية في نواحي الجزيرة يمينًا ويسارًا نزل القرآن، وتفقهت فيه سائر القبائل، حتى القحطانية، من غير أن يحتاجوا في فهمه إلى ترجمان، ومن يسمّي هذه اللغات المهذبة لغة قريش، فلأن لغة قريش كانت المبدأ الذي شبت عليه هذه اللغة، وأخذت تجتني من لغات القبائل ما يخف وقعه على السمع والذوق واللسان، فأنت إذا قرأت قصيدة من هذه المطولات، قد تمر على كثير من لهجات القبائل، ولكنك لا تشعر بها؛ لأنها أصبحت بفضل هذه اللغة سائرة في شعر كندة وربيعة وقيس وتميم؛ كسيرها في شعر قريش.
ومن آثار وحدة اللغة الأدبية هذه المترادفات الفائقة كثرة، وهذه الكلمات التي تنقلها من معنى إلى معنى أو معان، وهذه الألفاظ التي يحق لك أن تنطق بها في هيئات متعددة، وقد تكون هذه الأوزان الشعرية متفرقة في لهجات القبائل، ووقع اختيار الفصحاء عليها، وأخذوا ينسجون في النظم على مثالها، فلا عجب أن تظهر هذه المطولات في لهجة متماثلة، وأوزان متشابهة، وأن