للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قال في (ص ٤١): "سترى -مثلاً- بناتاً (١) سبعاً اجتمعن، وتواصفن أفراس آبائهن، فتقول كل واحدة منهن في فرس أبيها كلاماً عربياً ومسجوعاً يأخذه أهل السذاجة على أنه قد قيل حقاً، في حين أنه لم يقل، وإنما كتبه معلم يريد أن يحفظ تلاميذه أوصاف الخيل، وما يقال فيها، أو عالم يريد أن يتفيهق، ويظهر كثرة ما وعى من العلم. وقل مثل ذلك في سبع (٢) بنات اجتمعن وتواصفن المثل الأعلى للزوج الذي تطمع فيه كل واحدة منهن، فأخذن يقلن كلاماً غريباً مسجوعاً في وصف الرجولة والفتوة، والتعريض والتلميح إلى ما تحب المرأة من الرجل".

لا يعنينا أن تبقى قصتا البنات السبع في هذا الأدب القديم، أو تطرحا من حسابه، وتذهبا كما ذهب أولئك البنات عيناً وأثراً، والذي يعنينا نقده هنا: أن المؤلف يكاد يذهب إلى أن ما يذكر في تاريخ الأدب قسمان: ما هو ثابت قطعاً، وما هو مكذوب لا محالة، والمعروف أن من بين هذين القسمين قسمًا يقف فيه المؤرخ المحقق، فلا يستطيع أن يقول عليه: إنه موثوق بصحته، ولا يستطيع أن يصفه بالكذب الذي لا مرية فيه، وشأنه فيما يقضي عليه بالكذب قضاء فاصلًا أن يذكر الطريق الذي وصل منه إلى معرفة اصطناعه، والمؤلف حكم على حديث البنات، ولم يأت بدليل أو أمارة على اختلاقه، ما عدا وصفه له بأنه كلام غريب مسجوع، إذاً، لم ينكره المؤلف إلا لأنه


(١) كذا في كتاب الشعر الجاهلي، وفي "الأمالي" لأبي علي القالي (ج ١ ص ١٨٧): "اجتمع خمس جوار من العرب، فقلن: هلممن نصف خيل آبائنا ... ".
(٢) كذا في كتاب الشعر الجاهلي، وفي "أمالي القالي" (ج ١ ص ١٦): "قالت عجوز من العرب لثلاث بنات لها: صفن ما تحببن من الأزواج ... ".