الحرة التي انتهكت فيها حرمات الأنصار في المدينة، والتي انتقمت فيها قريش من الذين انتصروا عليها في بدر، والتي لم تقم للأنصار بعدها قائمة. ولأمر ما يقول الرواة حين يقصون وقعة الحرة: إنه قد قتل فيها ثمانون من الذين شهدوا بدراً؛ أي: من الذين أذلوا قريشاً".
يعلم كل من له إلمام بالتاريخ: أن سبب وقعة الحرة: سخط طائفة عظيمة من المسلمين على سيرة يزيد، واشترك في هذا السخط فريق من الأنصار، وفريق من قريش، وكان على رأس قريش: عبد الله بن مطيع بن الأسود القرشي العدوي، وعلى رأس الأنصار: عبد الله بن حنظلة الأنصاري، ثم إن قائد جيش يزيد، وهو مسلم بن عقبة حين أرهق أهل المدينة، وأسرف في قتلهم، لم يميز قرشياً من أنصاري، فالحرب وقعت بين جيش يزيد وجماعة المسلمين القاطنين بالمدينة، وقائد هذا الجيش الذي أسرف في الفتك بأهل المدينة، هو الذي سار بالجيش نفسه إلى محاربة ابن الزبير القرشي ومن معه من آل مكة القرشيين.
يحكي المؤلف عن الرواة: أنه قتل في وقعة الحرة ثمانون من الذين شهدوا بدراً، وليس في كتب التاريخ ما يصدق هذه الرواية، فمن المؤرخين من لم يتعرضوا لإحصاء القتلى بهذه الواقعة؛ كابن جرير، وابن الأثير، ومنهم من ذكروا عددهم في إجمال، ولم يعرجوا على ذكر أهل بدر، كما صنع ابن الجوزي في "المنتظم"، والصفدي في "الوافي بالوفيات"؛ حيث قالا: إن القتلى يوم الحرة سبع مئة من وجوه الناس؛ من قريش، والأنصار، والمهاجرين، ووجوه الموالي، ومن لا يعرف عشرة آلاف. وتعرض لذكر أهل بدر صاحب كتاب "الإمامة والسياسة"، فقال: "وذكروا أنه قتل يوم