وحشوُه هذا الفصلَ بما تقرؤونه من لهوالحديث، دليل على أنه لو ملك من سعة الوقت وفراغ البال أكثر من هذا الذي يملك، لم يزد على أن يلهو أو يلهي القراء بنوع من البحث لا يخرج عن هذه الدعاية المتصلة بالمعمل الذي خرج منه "ذيل مقالة في الإسلام دا، ثم لا يخلو من تحريف حقائق تاريخية، أو أدبية قيمة.
أنكر المؤلف في (ص ٦٩) كل ما يروى من الشعر الذي قيل في الجاهلية ممهدًا للبعثة النبوية، وكل ما يتصل به من الأخبار، وزعم أنها "تروى لتقنع العامة بأن علماء العرب وكهانهم، وأحبار اليهود ورهبان النصارى كانوا ينتظرون بعثة نبي عربي يخرج من قريش أو من مكة".
كان لحماة حقائق الإسلام في المناظرة موقفان: موقف مع المخالفين، وهؤلاء إنما كانوا يناضلونهم في أصول العقائد، ويحاكمونهم إلى النظر والحجج العقلية البحتة. وموقف مع موافقيهم في الأصول، ومناظرة هؤلاء إنما تكون في ظل تلك الأصول، فتجري المناظرة في نظام، وتنتهي في الغالب بسلام.
وقد خرج في هذا العصر طائفة يقولون بأفواههم: إنهم مسلمون بقلوبهم، جاحدون بعقولهم، فإذا أنكروا رواية، أو فرعًا يتصل بالدين، لا تدري أتحاصرهم تحت ظل الأصول المقررة، أم ترجع بهم إلى النظر الصرف، وتعود بهم إلى البحث في الإيمان بالله وكتبه ورسله؟.
ينكر المؤلف كل ما يروى من الشعر والأخبار الممهدة للبعثة النبوية، وإنكارها على هذا الوجه إنما تسمعه ممن ربط قلبه على نفي النبوة، إذ ليس من المحتمل عنده أن يقال فيها شعر، أو يرد عنها خبر قبل أن يدعيها صاحبها.