ونقل عن أبي إسحاق النظام كلاماً في أصل هذا الزعم ومنشئه، حتى قال:"ومما زادهم في هذا الباب، وأغراهم به، ومدّ لهم فيه: أنهم ليس يلقون بهذه الأشعار وبهذه الأخبار إلا أعرابياً مثلهم، صالا غبيًا لم يأخذ نفسه قط بتمييز ما يوجب التكذيب أو التصديق أو الشك، ولم يسلك سبيل التوقف والتثبت في هذه الأجناس قط، وأما أن يلقوا راوية شعر، أو صاحب خبر، فالرواة عندهم كلما كان الأعرابي أكذب في شعره، كان أظرف عندهم، وصارت روايته أغلب، ومضاحيك حديثه أكثر".
وممن تعرض لهذا من الكتاب المتقدمين على المؤلف: جرجي زيدان في "تاريخ آداب اللغة العربية"، فقال:"كان العرب يعتقدون أن لكل شاعر شيطاناً يوحي إليه المعاني، حتى لقد يتوهم الشاعر منهم أنه رأى شيطانه، وخاطبه، وأوحى إليه". وقال:"ومن غريب اعتقادهم في شياطين الشعراء: أن للشعر شيطانين، يدعى أحدهما: الهوبر، والآخر: الهوجل، فمن انفرد به الهوبر، جاد شعره، وصحّ كلامه. ومن انفرد به الهوجل، فسد شعره. وزاد ادعاؤهم ذلك حتى سموا شيطان كل شاعر باسم خاص به، فكان شيطان الأعشى يسمّى مسحل".
وتعرض لهذا أيضاً الأستاذ مصطفى صادق الرافعي في كتاب "آداب لغة العرب"؛ إذ عقد فصلاً في شعر الجن، فقال:"والقصاصون إنما قلدوا في ذلك الأعراب أيضاً، وذهبوا مذاهبهم، فللأعراب شعر كثير يزعمونه للجن، ويعقدون له الأخبار، وقد تناقله عنهم الرواة، وتظرفوا به في الأحاديث، وأمثلته كثيرة".
فمزاعم بعض الناس لرؤية الجن، وتلقيهم الأشعار عنهم، مما كتب