ألا ترون إلى ذلك القلم كيف تطوح به الغرور إلى أن يحوم على مقام أكمل الخليقة، فيقذف نحوه بما تملي عليه تلك الروح النازعة إلى غير هدى؟!.
قنع الناس بأن محمداً - صلوات الله عليه - صفوة بني هاشم، بل صفوة الإنسانية؛ لأن صحيفة حياته أباع صحيفة طويت بوفاة صاحبها، ولأن ما جرى على يده ولسانه من حكمة وإصلاح، لم يأت بمثله إنسان تقدمه، أو إنسان جاء من بعده.
ويرى الناس أن بني هاشم صفوة قريش، وأن قريشاً صفوة كنانة، وأن كنانة صفوة ولد إسماعيل، وقنعوا بهذا؛ للحديث المروي في "صحيح الإمام مسلم"، والمسموع من أصدق الناس لهجة، وهو:"إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
فلو وجه المؤلف غمزه إلى المفاضلة بين بني هاشم ومن بعدهم، لقلنا: أنكر حديثاً، ولم نؤاخذه إلا على مهاجمة الحديث بالإنكار المجرد من البحث العلمي مثلما يهاجمه الصم الذين لا يعقلون، ولكنه لم يقنع بأن ينكر حديثاً في "صحيح مسلم"، ولم يشف ظمأه أن يرمي ساحة القرآن بالكذب، فجعل يضع غمزه في عقيدة أن النبي - عليه الصلاة والسلام - صفوة بني هاشم. وحرصُه على بثّ هذه المغامز في كتابه -دون أن تكون لها صلة بالبحث العلمي- شاهد على أنه يكتب تحت تأثير عاطفة، تريد الانتقام من الإسلام الذي قضى على العقيدة الخاسرة، والشهوة الباغية، وجعل مكان الغي رشداً، وبدل السفه أدباً.